الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
محمد بن صالح العثيمين مجموع فتاوى ورسائل - 7 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد: أيها الإخوة: إن موضوع محاضرتنا في هذه الليلة هو موضوع مهم يهم جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وهو التذكير بما أنعم الله به على عباده المؤمنين بما من به عليهم من بعثة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي بعثه الله لا إلى العرب فحسب، ولكن إلى جميع الناس كما قال الله تعالى: ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون} إننا في هذا الشهر شهر ربيع الأول الذي هو الشهر الذي بدئ به الوحي لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولكن هذا كان بالرؤيا الصالحة. كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : بالنسبة لها جزء من ستة وأربعين جزءًا لهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أيها الإخوة: إننا في هذا الشهر شهر ربيع الأول نذكر إخواننا بما من الله به على عباده المؤمنين من بعثة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعثه الله عز وجل بالهدى ودين الحق وأنزل عليه هذا الكتاب ليخرج الناس من الظلمات إلى النور لا بنفسه ولكن بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد. وفي هذه النعمة يقول الله عز وجل : لقد بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على حين فترة من الرسل وانطماس من السبل بعد أن مقت الله سبحانه وتعالى أهل الأرض عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، فكان الناس في ضرورة إلى بعثته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشد من ضرورتهم إلى الطعام والشراب والهواء والأمن، كان الناس في جاهلية عمياء يعبدون الأشجار والأصنام ، والأحجار ويتعلقون بالمخلوقين حتى ذكر عن بعضهم أنه إذا نزل أرضًا أخذ أربعة أحجار فاختار منها واحدًا يعبده وثلاثة يجعلها رواسيَ للقدر قدر الطبخ فتأمل هذه العقول كيف انحدرت إلى هذه السخافة، يجعل الآلهة حجرًا واحدًا موازيًا تمامًا بالأحجار التي تُرس عليها القدور، وذكر عن بعضهم أنه كان يتخذ من التمر يعجنه ويصنعه تمثالًا حسب مزاجه، ثم إذا جاع أكله، ومن سخافتهم أيضًا أنهم يقتلون الأولاد ذكورهم وإناثهم خوفًا من الفقر كما قال الله عز وجل: وكان بعضهم يقتل أولاده إذا افتقر بالفعل وفي هذا يقول الله عز وجل: أخرجهم من عبودية النفس وعبودية الشيطان إلى عبودية الرحمن سبحانه وتعالى، ونحن نعلم كما ذكر الله تعالى في كتابه أن المشركين الذين بعث فيهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانوا يقرون بأن الله هو الرب وأن الله خالق السموات والأرض وأن الله مدبر الكون وأنه هو الذي بيده ملكوت كل شيء، كل ما يتعلق بتوحيد الربوبية فإنهم كانوا يقرون به ولا ينكرونه ولكنهم كانوا ينكرون توحيد العبادة فلا يوحدون الله تعالى بالعبادة بل يعبدون الأصنام والأشجار والأحجار وغير ذلك مما يسمح في نفوسهم وتمليه عليهم أفكارهم السيئة حتى إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما دعاهم إلى توحيد الله في العبادة وقال لهم: ومن العجب أنهم يقرون بتوحيد الربوبية دون الألوهية ولا ريب أن كل إنسان عاقل يقر بتوحيد الربوبية فإن إقراره ذلك حجة عليه أن يقر بتوحيد الألوهية. لأنه إذا كان يقر بأن الخالق هو الله، المدبر هو الله، والمالك هو الله فكيف يكون هناك معبود مع الله ومن ثم تجدون الله عز وجل، يقرر توحيد الألوهية بتوحيد الربوبية ) اعبدوا ربكم (هذا هو توحيد الألوهية ألوهية بالنسبة لله وعبودية بالنسبة للخلق، أيها الإخوة : توحيد الألوهية ليس بالأمر الهين الذي يظنه كثير من المعاصرين اليوم أنه على الهامش وأن مجرد إقرار الإنسان برب خالق مدبر للكون حكيم في صنعه كاف في الإيمان والتوحيد، إن هذه النظرة نظرة بلا شك خاطئة، ولو كان التوحيد كما يراه هؤلاء بأنه إفراد الله أو بأنه الإيمان بأن الله وحده هو الخالق الرازق لو كان هذا هو التوحيد لم تكن هناك حاجة إلى إرسال الرسل لأن التكذيب بهذا التوحيد أو إنكار هذا التوحيد لم يقع إلا نادرًا ولا سيما فيما سلف من الأزمان، لكن التوحيد الذي بعثت الرسل لتحقيقه والقتال عليه هو توحيد الألوهية والذي يسمى أحيانًا بتوحيد العبادة لأنه إن نظرت إليه من جهة الله فسمه توحيد ألوهية وإن نظرت إليه من جهة الإنسان فسمه توحيد العبادة أو العبودية، المهم أن كثيرًا من الناس اليوم من المعاصرين الذين نالوا ما نالوا من الثقافة يركزون كثيرًا على توحيد الربوبية، وعندي أن توحيد الربوبية ليس بالأمر الأهم بالنسبة لتوحيد الألوهية، لأن منكريه قليلون وكل إنسان عاقل فإنه لابد أن يدرك أن لهذا الكون العظيم المنظم إلهًا خالقًا حكيمًا واستمع إلى قول الله تعالى في سورة الطور: هذا استفهام لأنهم قبل أن يوجدوا عدم والعدم ليس بشيء، فضلًا عن أن يوجد شيئًا. وهم أيضًا لم يخلقوا من غير شيء لأن خلق شيء من غير شيء مستحيل في العقل كل حادث فلا بد له من محدث ويذكر أن طائفة من السمنية وهم أناس من الوثنية الذين ينكرون الخالق أتوا إلى أبي حنيفة رحمه الله في العراق وقالوا : من الذي خلق هذا الكون فقال: أمهلوني ثم أمهلوه وجاؤوا إليه وقال لهم : إني أفكر في سفينة جاءت محملة إلى نهر دجلة محملة بالبضائع وإن هذه السفينة نزلت البضائع وانصرفت بعد ذلك، أفكر هل يمكن هذا أم لابد من أناس يشحنونها أولًا ثم ينزلونها ثانيًا، فقالوا : كيف تفكر بهذا، هل هذا يحتاج لتفكير؟ هذا غير معقول قال: إذا كان هذا غير معقول، فكيف يعقل أن هذه الشمس والنجوم والقمر والبحار والأنهار والأشجار النامية والإنس وكل ما نشاهده كيف يعقل أن يكون بدون موجد، هل هذا معقول فانقطعوا. ولهذا جاءت الآية تستدل على أن الخالق هو الله عن طريق السبر والتقسيم فهم إما أن يخلقوا بدون خالق، أو يخلقوا أنفسهم، أو يكون لهم خالق وهو الله عز وجل وهذه الأخيرة هي النتيجة فتوحيد الربوبية أيها الإخوة لا ينكره إلا النادر النادر من الناس حتى من أنكره ممن قص الله علينا من نبأ إنكاره فإنما ينكرونه مكابرة وهم في قرارة أنفسهم يؤمنون به ففرعون قال لقومه حين حشرهم وناداهم قال لهم : لأن موسى قال له مجابهة ويمكن أن نضرب مثلًا بالأكل كيف يكون عبادة؟ أولًا: ينوي به الإنسان امتثال أمر الله في قوله :{وكلوا واشربوا} هذا أمر .
ثانيًا: ينوي الحفاظ على بقائه وعلى روحه لأن الحفاظ على النفس مأمور به حتى العبادة إذا كان الإنسان مريضًا و يخشى على نفسه إن استعمل هذا الماء أن يتضرر فإنه يتطهر بالتيمم بالتراب كل ذلك حماية للإنسان من أن يتضرر ويضر نفسه، ولهذا قال العلماء ـ وصدقوا فيما قالوا: إن المضطر إلى الطعام والشراب يجب عليه وجوبًا أن يأكل حتى من الميتة ولحم الخنزير يجب أن يأكل إذا خاف على نفسه التلف لأنه واجب عليه أن ينقذ نفسه إذًا أنوي بالأكل والشرب الحفاظ على نفسي فيكون ذلك عبادة. ثالثًا: ينوي بالأكل والشرب التقوي على طاعة الله، فيكون عبادة لأن من القواعد المقررة شرعًا أن للوسائل أحكام المقاصد، فإذا كان هذا الأكل والشرب يعينني على طاعة الله فنويت بهذا الاستعانة على طاعة الله صار عبادة. رابعًا: أنوي بالأكل التبسط بنعمة الكريم جلا وعلا لأن الكريم يحب أن يتبسط الناس بكرمه وأضرب مثلًا ولله المثل الأعلى لو أن رجلًا من الناس كريمًا قدم طعامًا للآكلين هل رغبته أن يرجع الطعام غير مأكول أو أن يأكله الناس؟ يأكله الناس طبعًا لأن هذا مقتضى الكرم فأنا إذا أكلت أنوي التبسط بنعمة الله كان عبادة فانظر يا أخي كيف كان الطعام الذي تدعو إليه الطبيعة وتقتضيه العادة كيف أمكن أن يكون عبادة بحسب الانتباه واليقظة والنية بينما يأتي الغافل إلى الصلاة وإلى المسجد على العادة وإذا أتى على العادة صارت عبادته الآن عادة. وبهذا يتبين لنا أن توحيد العبادة وتحقيق توحيد العبادة أمر مهم جدًا وهذا ما ندعو إليه أن يحقق الناس العبادة لله وحده. ولو قال قائل: هل يجوز أن أدعو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟. الجواب: لا يجوز أن أقول : يا رسول الله أنقذني من الشدة يا رسول الله ارزقني ولدًا. لا يجوز بأي حال من الأحوال، بل هو شرك أكبر مخرج من الملة سواء دعا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو دعا غيره وغيره أقل منه شأنًا وأقل منه وجاهة عند الله عز وجل فإذا كان دعاء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ شركًا فدعاء غيره أقبح وأقبح والرسول عليه الصلاة والسلام أعظم الناس جاهًا عند الله وقيل له عليه الصلاة والسلام والقائل هو الله الأول: جائز وهو أن يدعو مخلوقًا بأمر من الأمور التي يمكن أن يدركها بأشياء محسوسة معلومة قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حقوق المسلم على أخيه : ) الثاني: أن تدعو مخلوقًا سواء كان حيًا أو ميتًا فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا شرك أكبر، لأن هذا من فعل الله لا يستطيعه البشر مثل: يا فلان اجعل ما في بطن امرأتي ذكرًا. الثالث: أن تدعو مخلوقًا لا يجيب بالوسائل الحسية المعلومة كدعاء الأموات فهذا شرك أكبر أيضًا لأن هذا لا يقدر عليه المدعو ولابد أن يعتقد فيه الداعي سرًا يدبر به الأمور. واعلم: أنك لن تدعو الله بدعاء إلا ربحت في كل حال إما أن يستجيب الله دعاءك، وإما أن يصرف عنك من السوء ما هو أعظم، وإما أن يدخرها لك عنده يوم القيامة ثوابًا وأجرًا، فألح في الدعاء وكرر لا تقل : دعوت فلم يستجب لي، انتظر، كل دعوة تدعو الله بها فهي عبادة تنال بها أجرًا سواء حصل المطلوب أم لم يحصل. أما توحيد الأسماء والصفات فخلاصته أنه يجب علينا أن نثبت لله كل ما أثبته لنفسه من أسماء أو صفات كل ما أثبته لنفسه من أسماء أو صفات يجب علينا أن نثبتها ولا يحل لنا أن ننكر ذلك بمقتضى أقيسة باطلة وعقول فاسدة نحن نعلم أن الله عز وجل سمى نفسه بأسماء كثيرة منها ما يمكننا علمه ومنها ما لا يمكننا علمه. قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث عبد الله بن مسعود المشهور في دعاء الكرب والغم: كل ما قضيت علي مما أحب أو أكره فهو عدل ليس فيه جور حتى المصائب عدل من الله لكن ليس معنى إحصائها ما نجد بعض الناس يقوله : يا الله يا رحمن يا رحيم يا قدوس يا سميع.. حتى يكمل تسعة وتسعين يقول : أحصيتها وأنا داخل الجنة ولا محالة هذا غير صحيح حتى لو وضعها في مسبحة. لكن إحصاءها يكون بثلاثة أمور: أولًا: إحصاؤها لفظًا يعني يلتمسها من الكتاب والسنة حتى يحصيها لفظًا. ثانيًا: فهمها معنى وإلا فلا فائدة، ما الفائدة من أن تقول : يا رحمن يا رحيم، وأنت لا تدري معنى رحمن ولا رحيم. الثالث: التعبد لله بمقتضاها بمعنى أنك إذا علمت أنه سميع تدعوه لأنه يسمع، إذا علمت أنه قريب تدعوه لأنه قريب، إذا علمت أنه مجيب تدعوه لأنه مجيب، ولما رفع الصحابة أصواتهم بالذكر قال لهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
فتأمل كيف بين لهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ معنى هذه الأسماء. قريب سميع بصير. إذا علمت أن الله سميع، هل تقول قولًا يغضبه، لا. إذا علمت أنه رحيم تتعرض لرحمته، وإذا علمت أنه غفور تتعرض لمغفرته، وهلم جرًا، هذا هو معنى إحصاء أسماء الله عز وجل ولابد أن تثبت لله كل ما أثبته لنفسه من وصف وإن شئت فقل : من صفة. وإن من حق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ علينا الذي هو فوق حق الوالدين أن نجرد الاتباع له بمعنى ألا نتقدم بين يديه فلا نشرع في دينه ما لم يشرع ولا نتجاوز ما شرعه أو نقصر فيه قال الله تعالى: وهذه الآية يسميها السلف آية المحنة: معناها الامتحان لأن قومًا زعموا أنهم يحبون الله. فوضع الله هذا الميزان، فكلما كان الإنسان أحب لله كان لرسوله أتبع وكلما ضعف اتباع الرسول فإن محبة الله في القلب ضعيفة. حتى وإن ادعاها مدعيها، نعم هل من محبة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نتقدم بين يديه ونُحْدِث في دينه ما ليس منه، لا أبدًا. ليس هذا من محبة الله وليس هذا من محبة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن محبة الله عنوانها ودليلها وميزانها أن نتبع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومحبة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من محبة الله فإذا كانت دعوى محبة الله لا تتحقق إلا باتباع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن دعوى محبة الرسول لا تتحقق إلا باتباع الرسول
ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحينئذ إذا كان هذا الشهر هو الشهر الذي بعث فيه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكذلك هو الشهر الذي ولد فيه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ما قاله أهل التاريخ إلا أنه لا تعلم الليلة التي ولد فيها وأحسن ما قيل أنه ولد في الليلة التاسعة من هذا الشهر لا الليلة الثانية عشرة خلافًا لما هو مشهور عند كثير من المسلمين اليوم لأن هذا لا أساس له من الصحة من حيث التاريخ وحسب ما حسبه أهل الفلك المتأخرون فإن ولادته كانت في اليوم التاسع من هذا الشهر لكن هل يعلم اليوم الذي ولد فيه؟ الجواب: نعم ولد يوم الاثنين. لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سئل عن يوم الاثنين. فقال: (ذاك يوم ولدت فيه) لكن اليوم من الشهر لا يعلم يقينًا ولكن أرجح ما قيل فيه هو اليوم التاسع وأيًا كان لا يهمنا في التاسع أو الثاني عشر أو غيره، لكن الذي يهمنا أن نكون لله مخلصين ولنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ متبعين وأن نحقق ذلك الإخلاص وذلك الاتباع لأن دين الإسلام لا يدخل الإنسان فيه إلا إذا قال: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. وشهادة أن محمدًا رسول الله تستلزم اتباعه وطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وألا يعبد الله إلا بما شرع فالذي يهمنا أيها الإخوة : ألا نجعل في هذا الشهر أمرًا زائدًا على الشهور الأخرى أبدًا إذا كنا صادقين في أننا نحب الرسول عليه الصلاة والسلام. فلنتبع شرعه ولا نتعداه لأن أي بدعة تحدث يتقرب بها الإنسان إلى رب العالمين. وليست في دين الله فإنها تتضمن أيها الإخوة الاعتراض على الله وعلى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى الصحابة رضي الله عنهم. لأن كل إنسان يحدث في دين الله بدعة يتعبد بها ويتقرب إلى الله بها فإن بدعته هذه تستلزم الطعن أو القدح في الله عز وجل وفي الرسول وفي الصحابة، أما في الله فلأنه إذا ابتدع في دين الله ما ليس منه فقد كذب الله لأنه سبحانه وتعالى يقول: الجواب: لا يكون ذلك، كما أن فيه انتقاصًا للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث أخبر بكمال الدين وذلك في قوله تعالى: وكذلك اتهام لهم رضوان الله عليهم بالجهل في دين الله عز وجل. ومن هذا الكلام يتبين أن من ابتدع في دين الله عز وجل فإن بدعته هذه تتضمن القدح في: 1. 1. الله عز وجل. 2. 2. ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. 3. 3. وفي الصحابة رضوان الله عليهم. أيها الإخوة: نحن لا نتهم صانعي هذه البدع أو محدثي هذه البدع كلهم بسوء القصد، قد يكون قصدهم حسنًا ولكن هل يكفي في العبادة أن يكون قصد الإنسان حسنًا أو لابد من المتابعة؟ لابد من المتابعة، ليس كافيًا أن يكون قصد الإنسان حسنًا وإلا ابتدع كل واحد في دين الله ما يريد، ويقول : أنا قصدي حسن، أقول : ليس كل إنسان يحدث بدعة نسيء الظن به. نحن نحسن الظن بكثير منهم لكن ليس كل من كان قصده حسنًا يكون فعله صوابًا وحسنًا ولهذا قال الله تعالى: وأنا أعجب ممن يقسمون البدع إلى أقسام ويجعلون من البدع بدعًا حسنة، مع أن أعلم الخلق وأنصح الخلق وأفصح الخلق يقول باللسان العربي المبين يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ليس في الدين بدعة حسنة أبدًا، أما السنة الحسنة فهي التي توافق الشرع، وهذه تشمل أن يبدأ الإنسان بالسنة أي يبدأ العمل بها، أو يبعثها بعد تركها، أو يفعل شيئًا يسنه يكون وسيلة لأمر متعبد به فهذه ثلاثة أشياء: الأول: إطلاق السنة على من ابتدأ العمل ويدل له سبب الحديث فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حث على التصدق على القوم الذين قدموا عليه، ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهم في حاجة وفاقة، فحث على التصدق فجاء رجل من الأنصار بصرة من فضة قد أثقلت يده فوضعها في حجر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: الثاني: السنة التي تركت ثم فعلها الإنسان فأحياها فهذا يقال عنه : سنها بمعنى أحياها وإن كان لم يشرعها من عنده. الثالث: أن يفعل شيئًا وسيلة لأمر مشروع مثل بناء المدارس وطبع الكتب فهذا لا يتعبد بذاته ولكن لأنه وسيلة لغيره فكل هذا داخل في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لكن قد يعترض معترض فيقول: هل أنتم أعلم ممن نطق الكتاب بموافقته كما حصل من عمر ابن الخطاب رضي الله عنه حينما أمر أبي بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما للناس برمضان، بإمام واحد وكان الناس يصلون أوزاعًا ثم جمعهم عمر رضي الله عنه. فخرج ذات ليلة وهم يصلون فقال: نعمت البدعة هذه. والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون). فالجواب عن ذلك من وجهين: الوجه الأول: أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يعارض كلام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأي كلام، لا بكلام أبي بكر الذي هو أفضل الأمة بعد نبيها، ولا بكلام عمر الذي هو ثاني هذه الأمة بعد نبيها، ولا بكلام عثمان الذي هو ثالث هذه الأمة بعد نبيها، ولا بكلام علي الذي هو رابع هذه الأمة بعد نبيها، ولا بكلام أحد غيرهم لأن الله تعالى يقول: وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الوجه الثاني: أننا نعلم علم اليقين أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أشد الناس تعظيمًا لكلام الله تعالى ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان مشهورًا بالوقوف على حدود الله تعالى حتى كان يوصف بأنه كان وقافًا عند كلام الله تعالى. وما قصة المرأة التي عارضته ـ إن صحت القصة ـ في تحديد المهور بمجهولة عند الكثير حيث عارضته بقوله تعالى: من العلماء من قسم البدعة إلى أقسام ومنها بدع حسنة فما الجواب عن ذلك؟ والجواب عن ذلك أن نقول: ما ادعاه العلماء من أن هناك بدعة حسنة. فلا تخلو من حالين: 1. 1. أن لا تكون بدعة لكن يظنها بدعة. 2. 2. أن تكون بدعة فهي سيئة لكن لا يعلم عن سوئها.
فكل ما ادعي أنه بدعة حسنة فالجواب عنه بهذا . وعلى هذا فلا مدخل لأهل البدع في أن يجعلوا من بدعهم بدعة حسنة وفي يدنا هذا السيف الصارم من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (كل بدعة ضلالة) . إن هذا السيف الصارم إنما صنع في مصانع النبوة والرسالة، إنه لم يصنع في مصانع مضطربة، ولكنه صنع في مصانع النبوة، وصاغه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذه الصياغة البليغة فلا يمكن لمن بيده مثل هذا السيف الصارم أن يقابله أحد ببدعة يقول : إنها حسنة ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (كل بدعة ضلالة) أيها الإخوة: في هذا الشهر يحدث بعض المسلمين احتفالًا يسمونه، عيد المولد، هو والحمد لله في بلادنا ليس بذاك المشهور لكن أقول : إنه يوجد في بعض البلاد الإسلامية من يحتفل بما يدعونه ليلة المولد لا على المستوى الشعبي فحسب بل حتى على المستوى الرسمي، والحقيقة أن هذا مؤلم، كيف نتلهى بالقشور بل كيف نتلهى بالعظام التي تجرح حلوقنا لنبتلعها، ثم نترك ما هو من أهم المهمات بل هو أهم المهمات وهو أصول الدين، ندعها تجرح الدين أمام هؤلاء ولا أحد منهم ينبض بكلمة إلا من شاء الله، كيف نحتفل ونقيم الأعياد والحلوى والاجتماع والأذكار وليتها أذكار سالمة، إننا نسمع أن بعضهم ينشد القصائد التي والله لا يرضاها الله ولا رسوله، لقد قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام فنقول له بكل بساطة : لك من تلوذ به سوى رسول الله وهو الله عز وجل الذي قال له: كيف تقول : يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم. ليته الحادث الخاص، الحادث الخاص قد تشكو إلى زيد أو عبيد ويقضي حاجتك، الحادث العمم كالفيضانات الصواعق الزلازل إذا أصابت الرجل عنده من يقول : مالي من ألوذ به سوى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، هكذا يقول أما من كان على الفطرة، فإنه يلوذ بالله وحده وهذا هو الحق. ومما تقدم يتبين لنا أن الاحتفال بالمولد النبوي لا يجوز بل هو أمر مبتدع وذلك لأمرين: أولًا: ليلة مولد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليست معلومة على الوجه القطعي، بل إن بعض العصريين حقق أنها ليلة التاسع من ربيع الأول وليست ليلة الثاني عشر منه، وحينئذ فجعل الاحتفال ليلة الثاني عشر منه لا أصل له من الناحية التاريخية. ثانيًا: من الناحية الشرعية فالاحتفال لا أصل له أيضًا لأنه لو كان من شرع الله لفعله النبي، ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو بلغه لأمته ولو فعله أو بلغه لوجب أن يكون محفوظًا لأن الله تعالى يقول: وهذه البدعة ـ أعني بدعة المولد ـ حصلت بعد مضي القرون الثلاثة المفضلة وحصل فيها ما يصحبها من هذه الأمور المنكرة التي تخل بأصل الدين فضلًا عما يحصل فيها من الاختلاط بين الرجال والنساء وغير ذلك من المنكرات. وهؤلاء الذين فعلوا هذه البدعة عند بعضهم حسن نية لكن أرجو منهم أن يتأنوا في الأمر، وأن يتأملوا فيه ، هل فعلوا ذلك عبادة لله فليأتوا ببرهانهم أن ذلك من باب التعبد لله، ولماذا لم يتعبد به الصحابة و التابعون وأئمة الإسلام بعدهم هل أتوا بذلك محبة للرسول عليه الصلاة والسلام، إذا كان كذلك فإن الحبيب يقتدي بحبيبه ولا يتجاوز خطاه. هل أتوا بذلك تعظيمًا للرسول عليه الصلاة والسلام وهو الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يريد ذلك لنفسه ونهى أمته عن الغلو فيه كما غلت النصارى بعيسى بن مريم هل قالوا ذلك تقليدًا للنصارى حيث كانوا يحتفلون بمولد عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، إذا كان كذلك فالأمر فادح لحديث ثم إننا نحث إخواننا ولا سيما الشباب على أن يحرصوا غاية الحرص على دعوة إخوانهم إلى الحق ولكن ليكن ذلك باللطف واللين وبيان الحق لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: جاء مرة يهودي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وعنده عائشة فقال: السام عليكم ـ والسام هو الموت ـ قالت عائشة رضي الله عنها : عليك السام واللعنة . فنهاها الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: المهم أقول لإخواني الشباب أن يدعوا إلى الله على بصيرة وعلم بالرفق واللين ولا ييأسوا قد تحصل من المدعو نفرة في أول الأمر وكراهية لكن إذا عومل بالتي هي أحسن وبدون عنف وباللين فإن الله عز وجل يقول لموسى وهارون : ومع ذلك صبر عليه الصلاة والسلام فكانت العاقبة له قال الله تعالى: تم بحمد الله تعالى المجلد السابع ويليه بمشيئة الله عز وجل المجلد الثامن
|